اللاتماثليّة الجيوسياسيّة على المسرح السوريّ - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. مثلّثات من دول غير عربية تتصارع جيو - سياسياً على المسرح العربيّ. يتركّز الصراع حالياً على محور الهلال الخصيب. يُلقّب هذا المحور بمحور اللاستقرار المُستدام. وهذا أمر يعني أن الاستقرار فيه هو حالة استثنائيّة، بدءاً من العراق، وصولاً إلى لبنان وفلسطين، ومروراً بسوريا. وإذا رأينا أن المثلث الجيوسياسيّ التاريخي التقليديّ مؤلّف من روسيا وإيران وتركيا، فإن إسرائيل هي جزء من مناطق الهلال الخصيب، وهي لاعب أساسيّ في الصراع الإقليميّ، لكن الصراع يدور أيضاً في داخلها، الأمر الذي يؤكّد ديمومة لا استقرارها، أسوة ببقية دول الهلال، غير أن الفارق التاريخيّ بين فلسطين الأمس وإسرائيل اليوم هو أن إسرائيل اليوم ارتقت في دورها الجيوسياسيّ لتصبح لاعباً إقليميّاً مهمّاً؛ فهي في النادي النووي، ولكن بغموض (كونها لا تُقر بذلك علناً). هناك قدرية جغرافية، كما تاريخيّة، تتحّكم في الصراع الجيوسياسيّ بين هذه الدول؛ فهذه الدول تحمل في جيناتها الحلم الإمبراطوري القديم، ولديها مشاريع إقليميّة لا تخفيها، وتسعى إلى مناطق نفوذ. وإذا كانت غالبيتها إمبراطوريات قديمة، فإن إسرائيل تسعى، بحسب بعض الدراسات، إلى إنشاء إسرائيل الكبرى. وفي حين أنها غير قادرة على احتلال الأرض لإنشاء إمبراطورية بالمعنى التقليديّ، إلا أنها من دون شك تسعى إلى امتلاك القدرة على التأثير في محيطها المباشر، كما في بقية المنطقة.
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
الصراع الجيوسياسيّ - المثلث الأكبر
ربما يمكن قول إن حالة العداء بين كل من روسيا وإيران وتركيا هي الحالة المُستدامة، لكن تقاطع المصالح في بعض الأوقات قد يؤدّي إلى التعاون. ويعود هذا السبب إلى القرب الجغرافيّ، أو حتى التماسّ المباشر. تظهر هنا منطقة القوقاز منطقة صراع تاريخيّ بين هذه الدول؛ فهي تجاور المثلث الإمبراطوري جغرافياً، وهي من ضمن مناطق النفوذ المشتركة. إذن، هناك تضارب وتقاطع سلبيّ مستمرّان في المسلَّمات الجيوسياسيّة لهذه الدول. وفي هذه الحالة، يبدأ الصراع يأخذ شكلاً خفياً وظاهراً في الوقت نفسه. ولأن هذه الدول لا تريد المواجهة المباشرة، فهي تذهب إلى مسرح ثانويّ لتصفية الحسابات. وبذلك تسعى هذه الدول إلى رسم وخلق واقع لا تماثليّ تستغل فيه ضعف الفريق الآخر المؤقّت كما الدائم، بالإضافة إلى التخطيط للقدرة على النكران، وخلق واقع وظروف لا تورّطها مباشرة، مع تجنّب خرق المسلَّمات الجيوسياسيّة الحيويّة لهذا الفريق كيلا تتحوّل اللاتماثليّة إلى مواجهة مباشرة.
بعض الأمثلة
تتعاون إيران مع روسيا في أوكرانيا، لكنها على خلاف جوهريّ معها في أرمينيا حول معبر «زنغزور»؛ لأنه يتناسب مع مصالح تركيا، بحيث يصل هذا الممر أذربيجان بالمقاطعة الغربيّة الآذريّة نخجوان، الأمر الذي يفتح الباب أمام حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان للذهاب من إسطنبول إلى بحر قزوين عبر هذا المعبر ودون عوائق تُذْكر. وإذا سمحت إيران بالتنفيذ، فإن هذا الأمر سيقطع الطريق عليها نحو الشمال عبر أرمينيا ومنها إلى روسيا.
بنت إيران منذ عام 1983 حالة لا تماثليّة في المنطقة عبر مشروع ما يُسمّى بمحور المقاومة. كانت إسرائيل المُتضرّر الأكبر من هذا المشروع، لكن، بعد بدء الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، بدأ هذا المشروع اللاتماثليّ يهدد الأمن القومي التركيّ، خصوصاً بعد وصوله إلى مناطق النفوذ التركية في الشمال السوري حيث الأكراد. ومع الدخول الروسي على خط الحرب السوريّة في عام 2015، والتموضع العسكري في قاعدتي حميميم وطرطوس، ربما يمكن قول إن أكبر لعبة لا تماثلية بدأت بين الأطراف الثلاثة الأساسييّن، لكن مع دور ثانوي لإسرائيل وعن بُعد.
مرّت الحرب السورية بعدة مراحل. وفي كل مرحلة، كان المثلّث الجيوسياسيّ المؤلَّف من الدول الثلاث يدير اللعبة تماشياً مع الواقع الميداني، وبشكل تجنّب الصدام الكبير والمباشر بينها. فعلى سبيل المثال، وعندما تم الاتفاق على 4 مناطق لخفض التصعيد، حسب منصّة آستانة، قامت سوريا وروسيا، بالتعاون مع إيران، بضرب وإسقاط هذه المناطق بدءاً من الجنوب السوري، وصولاً إلى المنطقة الشمالية التي تضم إدلب، حيث المصالح التركيّة. وبذلك تكون تركيا قد أصبحت في حالة لا تماثليّة مع بقية اللاعبين، الأمر الذي جعلها تقاتل مباشرة وعبر جيشها الرسميّ في إدلب. وتعبيراً عن التحولات في موازين القوى على المسرح السوريّ، شهد المسرح الدبلوماسيّ صورة فريدة من نوعها، وهي جعل الرئيس إردوغان ينتظر بفارغ الصبر دقيقتين أمام باب الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو قبل الاجتماع به في عام 2020. ورداً على هذ الحادثة المذلّة دبلوماسيّاً، جعل الرئيس إردوغان الرئيس بوتين ينتظر على بابه عندما كان في طهران عام 2022، لمدة 50 ثانية قبل الدخول للقائه. ألا تعكس هذه المشاهد حالات اللاتماثليّة بين الاثنين؟ أليست صراعاً جيو - سياسيّاً ولكن بطرق ووسائل أخرى؟ الجواب بلى بالطبع.
بعد زلزال غزّة والحرب الإسرائيليّة على لبنان، وبعد الصدامين المباشرين بين إسرائيل وإيران، وبعد سقوط النظام في سوريا وخروج إيران خاسرة منها، تغيّر المشهد الجيوسياسيّ الإقليميّ. عادت إيران إلى محيطها المباشر. هُدّد الوجود العسكري الروسيّ على الساحل السوريّ وسط مؤشرات على سحب للقوات الروسية من سوريا. تبوأت تركيا صدارة المستفيدين من هذا التحوّل، وبدأت إسرائيل بعملية تموضع جديدة بالاتجاه السوري تحسبّاً للسيناريو السيئ، لكن التحدّي الأكبر هو في قدرة الفصائل المسلّحة السوريّة على إعادة إنتاج نظام سياسيّ جديد، يقوم ويرتكز على التعددية الإثنيّة والدينيّة كما المذهبيّة. فهل هذا ممكن؟ بالطبع ممكن إذا لم تتقاتل هذه الفصائل مع بعضها، خصوصاً أن الحرب السورية لم تعد تفيد أحداً، كما أن تكلفة استمرارها أكبر كثيراً من أرباحها.
كُنا قد تحدثنا في خبر اللاتماثليّة الجيوسياسيّة على المسرح السوريّ - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.