ظل السؤال عن هوية الأفضل بين رونالدو وميسي مهيمنًا على عقول عشاق الساحرة المستديرة في كل مكان لفترة طويلة قاربت العقدين؛ إذ كان طوال كل هذه المدة السؤال الأبرز في عالم كرة القدم، فيما يتعلق بأكبر تنافس فردي عرفته الساحرة المستديرة؛ إذ لا شيء يُمكن أن يضاهيه من حيث القدرات الفردية والألقاب والجوائز والأرقام القياسية والاستمرارية لسنوات وسنوات.
ظهرت هذه التنافسية في الوقت الذي بدأت فيه وسائل التواصل الاجتماعي في الازدهار، مما أجبر الجميع على اختيار اللاعب المفضل له، واشتعلت المناقشات، وربما لو كان ميسي ورونالدو قد ظهرا في عصر آخر دون صخب "السوشيال ميديا"، لم يكن ليحتدم النقاش بشأنهما إلى هذا الحد.
هل أنت من مشجعي ليونيل ميسي، الساحر الأرجنتيني الذي قاد ثورة برشلونة التي عُرفت باسم "تيكي- تاكا"؟ أم أنك كنت تشجع رونالدو، صاحب الإرادة القوية التي لا تعرف الاستسلام مع لمعان نجوميته رفقة ريال مدريد الذي هيمن على أفضل مسابقات أوروبا على عكس أي منافسات أخرى؟
رونالدو وميسي أسطورتان تحديا الزمن لفترة أطول مما كان يمكن لأي شخص أن يتخيلها، فقد أمضيا تسعة مواسم في ذروة مسيرتهما في مواجهة بعضهما بعضا بانتظام أثناء اللعب لصالح العملاقين برشلونة وريال مدريد.
تقاسم رونالدو وميسي 13 جائزة كرة ذهبية بينهما (5 رونالدو، 8 ميسي)، وهما الأكثر تتويجًا بالبطولات على الإطلاق، مع حصيلة تهديفية خارقة يسارع فيها البرتغالي الخطى للوصول إلى الهدف رقم 1000، في حين يتفوق ليونيل ميسي في عدد ألقابه، إذ حقق 46 لقبًا مقابل 35 لقبًا لرونالدو.
رونالدو وميسي.. ما بين التنافس والدبلوماسية
لم يكن ميسي قد شارك مع برشلونة بعد في أول موسمين لرونالدو مع الأندية (2002-2003 و2003-2004)، حيث سجل رونالدو 5 أهداف في موسمه الأول والوحيد مع سبورتينغ لشبونة، قبل الانتقال إلى مانشستر يونايتد، حيث سجل في موسمه الأول مع "الشياطين الحمر" 6 أهداف.
لعب رونالدو وميسي لأول مرة ضد بعضهما عندما أوقعت القرعة مانشستر يونايتد بمواجهة برشلونة في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا 2007-2008، وكان صيتهما منتشرًا في كل مكان خلال تلك المرحلة.
في تلك المواجهة أهدر رونالدو ركلة جزاء في مباراة الذهاب التي انتهت بالتعادل السلبي، لكن اليونايتد تقدم للنهائي بفضل هدف من بول سكولز في مباراة الإياب.
" title="Barcelona 0 - 0 Manchester United (First Messi vs C. Ronaldo) ● UCL 2008 | Extended Highlights" width="870">
في العام التالي 2009 كان التنافس قد اشتعل، عندما التقى مانشستر يونايتد وبرشلونة في 27 مايو 2009 في نهائي دوري الأبطال على ملعب الأولمبيكو في روما، تم وصف المباراة بأنها "مباراة الحلم"، وتم الترويج لها مرة أخرى باعتبارها أحدث معركة بين اللاعبَين، وهذه المرة لتحديد من هو أفضل لاعب في العالم.
رونالدو كان واثقًا واعتبر نفسه الأفضل دون شك، أما تشافي زميل ميسي في برشونة فرد "ميسي هو أفضل لاعب في العالم"، أما مدرب اليونايتد السير أليكس فيرغسون فكان دبلوماسيًا وقال إنهما معًا الأفضل في العالم.
في المباراة نفسها كان التفوق لميسي ورفاقه بهدفين دون رد، في ليلة شهدت تسجيل ميسي نفسه هدفًا نادرًا بالرأس في مرمى العملاق الهولندي فان در سار، ليعزز ويؤكد هدف صامويل إيتو ويمنح برشلونة اللقب، قبل أن تتحقق السداسية التاريخية للبارسا ومدربه غوارديولا.
آلات تهديفية
سجل رونالدو أهدافًا أكثر من ميسي مع الأندية، ولكن بفارق ضئيل، وتجدر الإشارة إلى أن نجم النصر السعودي حاليًا يستفيد من لعب موسمين أكثر من غريمه الأرجنتيني، كونه بدأ مسيرته الاحترافية قبل ميسي.
سجل كل منهما أكثر من 700 هدف مع الأندية في مسيرتهما حتى الآن، وكانت المواسم الخمسة ما بين 2009-2010 و2014/-2015 استثنائية لهما، حيث دفع كل منهما الآخر إلى أعلى المستويات الفنية في عالم كرة القدم.
بينما يسجل رونالدو حاليًا المزيد من الأهداف بشكل عام، يتمتع ميسي بأفضلية في متوسط التهديف، كما سجل أعلى مستوى له عند 73 هدفًا في موسم 2011-2012، مع الإشارة إلى أنه سجل 91 هدفًا في العام 2012 (أي خلال الفترة من 1 يناير حتى 31 ديسمبر)، كما أن ميسي تعرض لانخفاض حاد في متوسط التسجيل خلال موسم أول مخيب للآمال بعد انتقاله إلى باريس سان جيرمان في 2021-2022، حيث يوضح الجدول التالي أهداف رونالدو وميسي في كل موسم.
عدد أهداف رونالدو وميسي
أهداف كريستيانو رونالدوالموسمأهداف ليونيل ميسي52002-03-62003-04-92004-051122005-068232006-0717422007-0816262008-0938332009-1047532010-1153602011-1273552012-1360512013-1441612014-1558512015-1641422016-1754442017-1845282018-1951372019-2031362020-2138242021-2211172022-2321502023-2411152024-2523780الإجمالي738
كانت أعلى حصيلة في موسم لرونالدو هي 61 هدفًا في 2014-2015، كما تجاوز حاجز الـ 50 هدفًا لمدة 6 مواسم بين 2010-2011 و2016-2015.
نقطة تفوق ميسي على رونالدو
عندما يتعلق الأمر بالتمريرات الحاسمة أو الفرص المصنوعة، فإن ميسي يتفوق كثيرًا على رونالدو، وقد أصبح هذا التباين واضحًا بشكل متزايد مع تطور أدوارهما.
هنالك حقيقة واضحة هي أن ميسي يصنع الكثير من الأهداف بالإضافة إلى تسجيلها، وهو ما يشكل عاملًا مهمًا في المقارنة، فأدوار ميسي أكثر شمولية بالصناعة والتسجيل نتيجة تمركزه خلف المهاجم أو على الأطراف لفترات طويلة خلال مسيرته، وفي حين تحوّل رونالدو ليشغل دور صاحب اللمسة الأخيرة حتى عندما كان يوجد رفقته مهاجم صريح في رأس الحربة؛ ولذلك يُعد البرتغالي الرقم 1 في إنهاء الهجمات.
المسرح الدولي
تتشابه مسيرة رونالدو وميسي مع المنتخبات تقريبًا، لكن أرقام كريستيانو الفردية أفضل لأنه بدأ مسيرته الفردية مع المنتخب البرتغالي قبل ليونيل ميسي مع الأرجنتين بعامين أيضا.
عندما حقق رونالدو بطولة كأس الأمم الأوروبية عام 2016 على حساب فرنسا ودوري الأمم الأوروبية عام 2019، كان لا يزال ميسي يبحث عن لقبه الأول مع الأرجنتين، بعد أن أهدر ثلاث فرص ذهبية خسرها جميعا في نهائي كاس العالم 2014 أمام ألمانيا، ثم نهائيين في بطولة كوبا أمريكا عامي 2015 و2016 أمام تشيلي، وانتظر "البولغا" حتى عام 2021 ليُحقق كوبا أمريكا على حساب البرازيل.
وجاءت نهائيات كأس العالم قطر 2022 لتشهد على أفضل أداء فردي من ليونيل ميسي ليسجل الأهداف ويصنعها ويقود "التانغو" لإحراز الكأس الأغلى، وهو اللقب الذي مكنه بالفعل من الدخول في مقارنة حقيقية مع الأسطورة الخالدة دييغو مارادونا.
" title="Lionel Messi vs France (World Cup Final 2022) English Commentary - HD 1080i" width="870">
اختلاف الأساليب والطباع
يتشابه رونالدو وميسي في القدرات الخارقة داخل الملعب، لكنهما متعاكسان تمامًا في بعض النواحي. رونالدو، هو الشخص الذي يهتم بتطوير نفسه بدنيًا، إذ صقل مهاراته خلال العمل البدني وفي ملعب التدريب، وكان يطور نفسه من ناحية القوة والسرعة والشمولية في التسجيل بكل الأنواع، ولديه علو في "الأنا" والكبرياء.
في المقابل ميسي هو مثال للموهبة غير المحدودة. قصير القامة، هادئ، متواضع... مظهره الخارجي يجعله يبدو أقرب إلى المشجع منه إلى لاعب كرة القدم، ولكنه في اللحظة التي يلمس فيها الكرة بقدميه، يُحدِث السحر، وعندما يلعب ميسي، تتسارع اللعبة بطريقة ما وتتباطأ؛ إذ يستطيع التحكم في نسق اللعبة ويسرعه إلى أقصى وتيرة عندما ينطلق للأمام ويخترق دفاعات المنافسين، ويبطء سرعة النسق عندما يتطلب الأمر ذلك بفضل قدرته المذهلة على الاحتفاظ بالكرة.
يملك رونالدو وميسي نهجين مختلفين تمامًا في الملعب وشخصيتين مختلفتين تمامًا، رونالدو يميل للصخب، ويستعرض جسده المنحوت فقط لإظهار مقدار العمل الذي بذله. في الوقت نفسه، كان ميسي منعزلاً إلى حد كبير، ولم يُظهر الكثير من المشاعر ما لم يُجبَر على ذلك.
وعلى الرغم من اختلافاتهما، لم تتحول هذه المنافسة إلى عداء شخصي مطلقًا، وبشكل عام، كان الأمر يدور حول الاحترام والتنافسية، وهو ما سنستعرضه في النقطة التالية.
الرقصة الأخيرة بين رونالدو وميسي
كانت هناك 37 مواجهة بين رونالدو وميسي في مختلف المسابقات والفرق، كان آخرها مباراة في كأس موسم الرياض في فبراير الماضي بين النصر وإنتر ميامي وعرفت هذه المباراة بـ"الرقصة الأخيرة".
كانت هذه هي المواجهة رقم 37 بين رونالدو وميسي تاريخيًا في جميع المسابقات الرسمية والودية، حيث فاز ميسي في 17 مباراة مقابل فوز رونالدو في 11، بالإضافة إلى 9 تعادلات، علمًا بأن كلًا منهما سجل 23 هدفًا في المباريات السابقة، سواء الرسمية أو الودية.
المسابقة | المباريات | انتصارات ميسي | التعادل | انتصارات رونالدو | أهداف ميسي | أهداف رونالدو |
---|---|---|---|---|---|---|
الدوري الإسباني | 18 | 10 | 4 | 4 | 12 | 9 |
دوري أبطال أوروبا | 6 | 2 | 2 | 2 | 3 | 2 |
كأس إسبانيا | 5 | 1 | 2 | 2 | 0 | 5 |
كأس السوبر الإسباني | 5 | 2 | 1 | 2 | 6 | 4 |
مباريات دولية للمنتخبات | 2 | 1 | 0 | 1 | 1 | 1 |
مباريات دولية للأندية | 1 | 1 | 0 | 0 | 1 | 2 |
المجموع | 37 | 17 | 9 | 11 | 23 | 23 |
في وجود رونالدو وميسي على رأس أفضل فريقين في العالم وأكثر ناديين تنافسية، كان الكلاسيكو مغلفًا بطابع التنافس الفردي بينهما، وكانت صورتهما هي العنوان الأبرز للتنافس الجماعي والفردي.
في 6 مايو 2018، لعب كريستيانو آخر مباراة كلاسيكو له واستطاع التسجيل هو وميسي في المباراة التي انتهت بالتعادل الإيجابي 2-2.
في 8 ديسمبر 2020، عادت المواجهة بين رونالدو وميسي مرة أخرى بقميصي يوفنتوس وبرشلونة على التوالي، بعد غياب دام لعامين ونصف. انتهت المباراة بفوز يوفنتوس 3–0 في ملعب "كامب نو"، واستطاع رونالدو تسجيل ثنائية من علامة الجزاء.
الاحترام المتبادل
من السهل أن تدرك ذلك؛ إذ إن غياب الاحترام في هذه المنافسة كان عبر وسائل التواصل الاجتماعي فحسب؛ حيث كانت النقاشات بشأن رونالدو وميسي تخرج في كثير من الأحيان عن السيطرة من خلال محاولة جمهور كل منهما تضخيم مزايا نجمه المفضل ومهاجمة منافسه.
كان ذلك فقط في الإنترنت، لكن الحياة الواقعية كانت دائمًا مختلفة تمامًا. بشكل عام، إذ كان رونالدو وميسي يعاملان بعضهما باحترام، ويعترفان -في العلن على الأقل- بالمستوى الذي وصل إليه كل منهما، رغم التقارير التي زعمت أنه خلف الكواليس -على الأقل في حالة رونالدو- كانت النبرة مختلفة، لكن علنًا، كان الاثنان يغتنمان دائمًا الفرصة لتبادل الإشادة.
في تصريحات عام 2017 قال البرغوث: "رونالدو يدفعني للأعلى. نحاول تحقيق الأفضل كل عام لفريقنا، وما يقال غير ذلك لا أعتقد أنه مهم جدًا. إنه لاعب استثنائي يتمتع بجودة عالية. كل العالم يعرف ذلك، ولهذا السبب فهو واحد من الأفضل في العالم".
حتى إن ميسي اعترف بأنه افتقد رونالدو بعد رحيله عن يوفنتوس لريال مدريد، بقوله: "كان من الرائع اللعب ضد كريستيانو، حتى لو كان الأمر صعبًا، كنت أستمتع (أكثر) بالفوز بالكؤوس عندما كان في مدريد. سيكون من الرائع لو كان لا يزال هناك".
وفي الوقت نفسه، يحفل سجل رونالدو بالكثير من الأشياء الجيدة التي قالها عن منافسه التاريخ، حيث ناشد الجماهير ببساطة احترام ما حققه الاثنان بدلاً من اختيار الأفضل بينهما؛ إذ قال في عام 2023: "إذا كنت تحب كريستيانو، فلا داعي لكراهية ميسي. لقد غير الاثنان تاريخ كرة القدم ويحظيان بالاحترام. التنافس؟ لا أرى هذه الأشياء على هذا النحو، لقد تقاسمنا المسرح لمدة 15 عامًا. أنا لا أقول إننا أصدقاء، لكننا نحترم بعضنا بعضًا".
ربما، في يوم من الأيام، بعد انتهاء كل هذا، ستزدهر هذه الصداقة، ولكن حتى لو لم يحدث ذلك، فسيظل الاثنان مرتبطين ببعضهما دائمًا إلى حد ما.
قال رونالدو في عام 2022: "لا أعرف ما إذا كان هذا قد حدث من قبل - نفس الرجلين على نفس المسرح طوال الوقت. بالطبع، لدينا علاقة جيدة. لم نتناول العشاء معًا بعد، لكنني آمل في المستقبل. لقد خضنا تلك المعركة في إسبانيا. لقد دفعته ودفعني أيضًا. لذا من الجيد أن أكون جزءًا من تاريخ كرة القدم".